كانت أواصر المحبة والمودة قد توطدت ورسخت بين عمير بن راشد وسلطان مارق، ولكن عرار لم يرقه الأمر، وأراد أن يعكر صفو هذه المحبة وتلك الصداقة، وأن ينال من عمير في أعز ما لديه وأغلى ما يملك، في ميثاء زوجته، وأخت عرار.
ذهب عرار إلى سلطان مارق، وكان معه غزال جميل الشكل بدرجة كبيرة. ولما شاهد سلطان مارق هذا الغزال الجميل مع عرار، ودار الحديث بين الاثنين عن الجمال والملاحة سأل سلطان مارق عرار: هل لديكم يا بدو بين نسائكم ما يماثل جمال هذا الغزال؟
وأجابه عرار من فَوره: نعم لدينا، بل أكثر جمالًا وملاحة من هذا الغزال وهي قريبة منك!
ودهش سلطان مارق، وسأل غرار قائلًا: ومن تكون تلك المرأة التي تفوق هذا الغزال جمالًا وملاحة؟ أجابه عرار: أنها ميثاء زوجة صديقك عمير. وقال سلطان مارق: وما هو السبيل للحصول عليها؟ وقال عرار: أمر بسيط، إذا جاءك عمير وجماعته يبنون أن يتزودوا بالمؤن والماء أمنعهما عنهم حتى يتخلون لك عن ميثاء واستحسن سلطان مارق هذا الرأي لكي يحصل على ميثاء، وقد بهره حديث عرار عن جمالها وملاحتها.
ولما حضر عمير وجماعته لكي يتزودوا بالمؤن والماء رفضوا السماح لهم إلا أن يتخلوا لهم عن ميثاء
وكان سلطان مارق يجلس مع بضع خلصائه وندمائه، وكان من بينهم عرار. وألقى عمير بالتحية على السلطان وتجاهل عرار، فقد أدرك من فوره أن عرار وراء تلك المؤامرة.
فوجئ عمير بطلب السلطان فغضب غضبًا شديدًا؛ ولكنه حاول أن يخفي غضبه، وتظاهر بالقبول، والانسحاب إلى جماعته لكي يعدون العدة لإجابة رغبة السلطان مارق في ظاهر الأمر.
وكان عمير يرتدي فوق ثوبه جوخته الحمراء التي يصل ذيلها إلى كعبيه؛ ولكنه عندما عاد إلى جماعته رأت ميثاء أن جوخته قد ارتفعت، وأصبحت بالكاد تصل إلى ما بعد ركبتيه. كان الغضب من طلب سلطان مارق المشين قد ملأ جوانحه حتى أوشك صدره على الانفجار.
وقالت ميثاء لجماعته: لا بد وأن شيئًا قد حدث وأغضب عمير وروى عمير لجماعته ما حدث، وكيف أن صديقه الحميم سلطان مارق يطمع في ميثاء، وقد جعل الحصول عليها شرطا لحصولهم على المؤونة والماء.
وكان بين الجماعة فارس أبكم أصم، لا يسمع ولا يتكلم؛ ولكنه على قدر كبير من الشجاعة والشهامة والإقدام.
لم يكن حميدان، وهذا اسمه، لم يكد يفهم قول عمير حتى فغر فاه من الدهشة والغضب، وانتفخت أوداجه وانقذف من أذنيه سيل من الدم والصديد، ونطق لسانه بالمقطع الأول من اسم ميثاء.
لقد جعله طلب الحاكم المخزي يسمع ويتكلم من فرط الغيظ.
ارتدى حميدان والجماعة عدة الحرب والطعان، فقد أيقنوا أنه لا بديل لهم عن القتال؛ ولكنهم كانوا يدركون أن الشجاعة وحدها لا تكفي، وأن عليهم أن يلجأوا أيضًا إلى الحيلة، فهم إزاء سلطان ذي سطوة وقوة، وله جنود وأعوان، وهم قلة لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
ولجأوا إلى حيلة طريفة
لقد جاءوا بعبدة ووضعوها في هودج فوق أحد الجمال واتجهوا بها إلى القصر، قصر الحاكم
وكان السلطان يجلس مبتهجًا في انتظار وصول ميثاء، وهو يمني النفس بقرب حصوله على أجمل نساء البدو وأكثرهن ملاحة
ولكن عرار قال له إن عمير لن يعطيك ميثاء مهما فعلت.
فقال له السلطان: ولكن ها أنذا أرى هودجها يقترب من القصر.
فقال له عرار: اذهب بنفسك واكشف عما في الهودج وسترى صدق قولي
وفعل السلطان ما قال له عرار، ولم يكد يمد يده ويكشف الستر عن الهودج حتى رأى أمامه عبدة صفراء العينين، منتفخة الشدقين، فصرخ يدعو فرسانه للحاق بعمير وجماعته.
ودارت معركة حامية بارز خلالها حميدان سلطان مارق، ولم يكن حميدان يضع على جسمه دروعا.
رفع حميدان الشلفاء وهوى بها على السلطان بقوة فاخترقت درعه وغاصت في جسده وأردته قتيلا
وفي نفس الوقت كان السلطان قد هوى بضربة مماثلة على حميدان.
وسقط الاثنان قتيلين. وتراجع جنود السلطان منهزمين بعد هذه المعركة الدامية.
وقال عمير القصيدة التالية في تلك المناسبة
ما الناس إلا من بنوك معادن = وما طاب من بنك المعادن طاب
أعمى الرأي ما يجري له الطب والدوا = اعمى الرأي ما دام الغراب غراب
شيخ لنا يمشي على ما يضرنا = وهو بالعيا من يوم شب وشاب
يأمر علينا الترك تأخذ حريمنا = وانا اشهد انها بلشه وعذاب
يبغون ميثاء نقوة من حريمنا = وانا أقول بها خزوة وعياب
لحقونا يبغون ميثا غصبا علينا = ودون ميثا صبيان تسن حراب
ترى كل جيران لباب لجارهم = يا عنك ما جيراننا بلباب
تقول ميثا يا هلي ارخصوا بي = على الترك لا يغدي لكم بارقاب
يقول عقيل لو ذهبنا وخيلنا = عليّ الجوار ما يصك دونك باب
حنا خمسة فوق خمس يا آل راشد = أهل خمس ما نثني لهن رقاب
إيلا رقرقونا والحقونا ظعنا = تهايق لنا تحت الحنايا عذاب
ينخنا باسامينا عارفاتنا = بحساس من تحت العجاج صلاب
لكن اذيال الدهم دهم آل راشد = هما ليل صيف مقتفيه سحاب
انا كما حبس الما الى اقفن واقبلن = والا ملم الشروتين حجاب
أول ما يثني عقيل بن والدي = وسلطان وزبن الجاذيات حجاب
والخيل لا سمعت عقيل ترايعت = ترياع سيل في محير رغاب
واما عقيل فخيلنا تلتوي به = كما حجل ليدي تلتوي بهضاب
تهيأ لنا عند ابرق السيح عركة = تمنى بها حضّار الرجال غياب
وتناطح حميدان وسلطان مارق = وتهيا لذا من كف ذا صواب
وضربه حميدان بشلفا سنينه = عرينية تودع الدروع خراب
وضرب حميدان بعود من القنا = الى مير بالبيدا ثلاث كعاب
خلي بحد الدمث عن الرمث والغضا = خلي بقريات الصريف مصاب
ولا ينفع المضيوم كون ابن عمه = إيلا عض به من غير نابه ناب
يلوموني وانا على زغزغيه = حوليه ما ضريت بالداب
جدعي بالبيدا ثمانين ملبس = والا العواري ما لهن حساب
واسل سيف الهند والكد = ما ينكس من الروم من يرد جواب
كله لعينا بيضا تنتخي بنا = اللي تماري بفعلنا الاجناب
والا لعينا كل وضحا من ابلنا = نرعى بها جوس على الاصحاب
أنا وإن قضبت السيف بالخمس لا تخف = على الجمع لو كان الجموع هضاب
اضف السبايا بالصبايا الى اوجهوا = كما ضف حضروم الفهود كلاب
أنا شوق ميثا عمير بن راشد = أنا كل عمري للرجال عذاب
أنا جامع قصر ببصر بمرجله = وأورد طعنات ما لهن حساب
انا كما شعشاع النجم اليا هواء = على هضبة يودع حصاها تراب

تعليقات: 0
إرسال تعليق